0
الشيخ بانوح بن أحمد مصباح ـ مسيرة قرن من الجهاد ـ



شاء قضاء الله وحكمه أن يصطفي إلى جواره طودا أشم يقارع الأباطيل والأهواء ويؤمل في إعداد الخلائف من الأبناء حفاظا على مقومات الأمة أن تزيغ بها الأفهام أو تطيش بها الأقلام ذلكم أبونا : فضيلة الشيخ بنوح بن احمد مصباح ـ تغمده الله برحمته ـ
ولابد نحن الأحياء أن ندرس حياة هذا الرجل الخالد حتى نستجلي العظات ونتكشف مكامن العظمة في شخصيته الفذة ، عسانا نقتفي أثره ، ونهتدي بهداه فلا يدرك حق الرجال غير الرجال (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
هو الشيخ بنوح بن احمد بن مصباح من مواليد بلدة غرداية سنة :1329هـ / 1909 م ترعرع في أحضان أسرة عفيفة مباركة
دخل الكتاب بمسقط رأسه ثم سافر به أخوه الأكبر الحاج مسعود  إلى مدينة برج بوعريرج ، فأدخله إحدى زوايا التي تشتغل بتحفيظ القرآن الكريم وهو حدث لم يتجاوز السادسة من عمره
في أوائل العشرينيات عين والده الحاج أحمد قاضيا بمحكمة قسنطينة فرغب في ملازمته بها ، وهناك صقل مواهبه وكان لدراسته أحسن الأثر في حياته العلمية
استظهر كتاب الله العزيز المتقن : الشيخ سليمان بن مصطفى وتلقى مبادئ الدين ولغة الضاد على يد أستاذه الفذ خريج المعهد الزيتوني : الشيخ محمد الشريف وعمره آنذاك أربع عشرة سنة فرشحه شيخه بالإجازة ليلتحق بالمعهد الديني للإمام عبد الحميد ابن باديس 
عاد إلى مسقط رأسه فلازم حلقات الشيخ احمد قزريط في النحو والفقه بدار النعاليف وقد تركت في حياته العلمية عميق الأثر وأكسبته رغبة صادقة في الالتحاق بالمعهد الزيتوني لينهل من معين العلم
بعد سن الزواج سنة 1927 م التحق بالبعثة العلمية الميزابية بجامع الزيتونة في تونس ليتتلمذ على يد علمائها الأفذاذ خمس سنين دأبا وفي طليعة أشياخه : الشيخ محمد حفيظ ، والشيخ الفاضل بن عاشور ، والشيخ الزغواني ، والشيخ محمد العنايبي وغيرهم وكان في الوقت نفسه يتتبع دروسا ليلية في الخلدونية هي مدرسة تعنى بتعليم الدروس العصرية من حساب وكيمياء و جغرافيا وغيرها
في سنة 1932 م انقطع مكرها عن الخضراء آيبا إلى مسقط رأسه ليعين عضوا بحلقة العزابة المسجد العتيق رفقة إخوانه الثلاثة : أحمد قزريط ، وعبد الله بغباغة ويوسف بافولولو فتفرغ الشيخ لخدمة المجتمع  ينشر الوعي في الأمة بدروسه القيمة وأسوته الحسنة
لما وجد نفسه وحيدا في حقل الدعوة نظرا لظروف ذلك الزمان ولما استقر نظام المسجد قرر الرجوع إلى تونس ليرأس نخبة من طلبة البعثة العلمية الإصلاحية يرعى شؤونهم ، من سنة1934 م إلى سنة 1940 م
فقفل راجعا إلى صعيد ميزاب تحت وطأة الغارات الجوية الايطالية على تونس ابن نشوب الحرب العالمية الثانية
بعد أن استقر به المقام ثانية بميزاب سنة 1942 م انخرط عضوا في إدارة جمعية الإصلاح ، وساهم بفعالية في جهود تأسيس مدرسة الإصلاح بقسم ثانوي مبدئي في باييزي كان من خريجي هذا القسم: الشيخ سعيد بن موسى كربوش ، عمر بن صالح الشيخ صالح ، محمد بن سليمان بكوش ، ويحيى بن محمد بكوش ، إدريس بن سعيد أعوشت وصالح بن إبراهيم باجو وداود بن محمد كربوش و إبراهيم بن سليمان الميت وغيرهم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
ثم انتخب أمين لجمعية الإصلاح في أول سنة 1946 م خلفا لسابقه السيد صالح بن إبراهيم حدبون ـ رحمه الله ـ إلى أخريات حياته لما أقعده المرض فأحال الأمانة إلى من توسم فيهم الصلاح والكفاءة ، وقد اتسم في مهمته الشاقة بالأمانة والدقة المتناهية في ضبط حسابات الجمعية مدخولا ومخروجا عند رأس كل سنة وعرضها على الإدارة للمصادقة عليها
تفرغ للدعوة والإرشاد بالمسجد العتيق يبث حلقاته القيمة في تفسير سور المفصل م القرآن الكريم وجزء من كتاب الوضع لأبي زكرياء  الجناوني وجزء من كتاب الشيخ أدويش في العقائد والعبادات ، وكتاب جامع أركان الإسلام
لم يدخر جهدا في محاولة إصلاح أوضاع المجتمع والتقارب بين الهيئات تحت ظلال الوحدة الشاملة حفاظا  على رأب الصدع وتوحيد الصف وله في ذلك مبادرات ومواقف سجلها التأريخ في عشيرته وفي تأطير العرس ومنظمة الحراسة الخيرية
من تراثه الفكري المكتوب بعض المقالات في جرائد الشيخ أبي اليقظان وخطب الجمعة ألقاها بمنبر المسجد العتيق في نحو خمس كراريس وقد رأت النور في كتاب مطبوع
من مبادئه التي عهد بها الانضباط الشديد في المواعيد ، الحرص على وحدة الصف وعدم التمسك بالقضايا الخلافية ، التجرد لله وعدم الاشتغال بالمظاهر والصمود على الحق
التحق بالرفيق الأعلى صبيحة يوم الأربعاء 19 ربيع الثاني 1427 هـ الموافق لـ 17 ماي 2006 م بعد عمر مديد في فعل الخيرات ، يناهز المائة عام هجرية وقد صدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم خيركم من طال عمره وحسن عمله 
صورة تذكارية للشيخ بانوح بن احمد مصباح بجانبه الشيخ حمو فخار ـ رحمهما الله ـ

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
تعريب وتطوير مدونة الياس
مدونة مقالات الياس © 2011 | عودة الى الاعلى
Designed by Chica Blogger